فاطمة عبدالله – النهار
16 أيار 2019
رابط المقال: https://bit.ly/2WNVrLp
في العادة، لا نكتفي بالمُخرج وحده للدلالة إلى النوع، إذ ثمة عناصر تتداخل، كالنصّ والممثل، قد تسبّب خذلان. مخرج من قماشة الليث حجو يمنح المُشاهد انطباعات ثقة. اسمه مغنطيس جذب، يكمش أوجاع الشارع وتفاصيله الصغيرة.
في زخم المسلسلات وزحمة ناسها يقف “مسافة أمان” مرفوع الرأس مدركاً أنه من فئة “الكواليتي” همّه أعمق من المتاجرة بالصورة، لا ينال المسلسل (“أل بي سي آي”، لنا”) حقه بالسطوع في هذا الجو الصاخب ومع ذلك يسطع من تلقائه ويتوهج أمام من يقدر قيمته.
النص لإيمان السعيد تضعه بين أيدي أسماء تمثيلية ذات قبضة محكمة، الليث حجو معتاد الرسم بالجرح، يجعل منه لوحات معلقة على الضمائر، هذه المرة يحاكي سورية ما بعد الحربـ يتصدع أبناؤها وضيق الدوامات والدوائر. الخسائر على مستوى الذات والمجموعة. خسارة الثقة بالآتي والآخر. “بوكس” يصيب الجميع على وجهه فيترك ندوباً غائرة. المفارقة أن آثاره لا تزول تطاول الأعماق وتحفر في الروح صامتة، أبدية، لئيمة.
حجو فنان في تصوير الهم الإنساني ترتاح الحرب من رصاصها فتتقدم المشهد ويلات من نوع آخر لا مجال للهروب على رغم المحاولات الكثيرة وأيضاً لا مجال للبقاء.
التناقض بسطوته أمام كاميرا تسير على الأرض ولا تنفش ريشها. الشخوص خائفة، مكبلة، خياراتها شبه معدومة. يلتهمها موج عالٍ والشطآن بعيدة.
المسلسل عن الوجع السوري من أبوابه العريضة. يفتتحه على مصراعيه ببكائيات مبررة ودرامية منضبطة. الوجع ليس عويلاً طوال الوقت فقد يكون صامتاً. أو ربما رجفة كالتي تختزلها سلافة معمار بتألق مذهل، أو كأس تهدئ الأعصاب كل ليلة. والوجع خيبة اللحظة الأخيرة وأحلام تتهاوى على هيئة دمعة. وهو انتظار الأم ابناً مفقوداً، رحل ليقبض برحيله على روحها. قصص لا بداية لها ولا نهاية، تحوم ثم تعود إلى الصفر. عدميات إنسانية تحاول البحث عن حيز، من دون جدوى. مكانها في أحزان العالم جميعاً.
Leave a Reply
Want to join the discussion?Feel free to contribute!