شراكاته الفنية تتجاوز كواليس التصوير
- بقلم ماهر منصور
تعود علاقتي الشخصية بالمخرج الليث حجو إلى الأيام التي كان يعكف خلالها للجزء الثاني من مسلسل “أهل الغرام”، ومنذ ذلك الوقت وأنا شاهد عيان على رجل يعمل على أعماله الفنية كلمة إثر كلمة، لا من باب سيادة المخرج في العمل الفني وإنما من منطلق إيمانه بأهمية الشراكة الفنية وحرصه على تكامل مشاريعه الدرامية، من دون التفكير بالحسابات الضيقة، ولاسيما تلك التي تتعلق بشراكة النجاح الذي اعتدنا في العالم العربي أن يستأثر به شخص واحد.
ذلك الإيمان بمقدار ما كان تعبيراً واعياً عن فهمه لطبيعة العملية الفنية، بدا أيضاً جزءاً من اللاوعي في تفاصيل حياته بعيداً عن الكاميرا، لذلك خلافاً لمقولة سارتر الشهيرة: “الجحيم هو الآخرون”..هو يؤمن أن الآخرين في حياته هم النجاح… يسألونه عن صور الراحلين عمر حجو وأديب خير ونضال سيجري المعلقة على جدران غرفته، فيخبرهم أن “هؤلاء كان لهم عبر شراكات طويلة فنية معه، تأثير مباشر وغير مباشر في طريقة تفكيري تجاه العمل الفني، واكتشفت من دون أن أحسبها أنني أجلس على مسافة أمان قريباً منهم عندما اشتغل على التحضير لأعمالي”.
هكذا ساهم الليث حجو باجتماعه مع الفنانين أيمن رضا وباسم ياخور في مقهى بدمشق في إطلاق كوميديا “بقعة الضوء الشهيرة”، واكتملت تجربة “ضيعة ضايعة” بتعاونه مع نضال سيجري وباسم ياخور بالشراكة مع ممدوح حمادة الذي جمعته معه بعدها خمس تجارب درامية أخرى شكلت محطات مهمة في الكوميديا السورية، وفي التراجيديا الاجتماعية السورية ارتبط الليث حجو بشراكة فنية مهمة مع الكاتب حسن سامي اليوسف التي أثمرت عن مسلسل “الانتظار” بالشراكة مع الكاتب نجيب نصير و”الندم” وكان من المفترض أن يكون مسلسل “فوضى” ثالث الاثنين في هذه الشراكة. وما بين الكوميديا والتراجيديا كان للمخرج الليث حجو شراكة ناجحة مع الكاتب رافي وهبة في عملين.
وبالتقاطع مع هذه التجارب السابقة وتجارب أخرى منها “أهل الغرام” ارتبط اسم الليث حجو بشراكة فنية مع المنتج الراحل أديب خير، وتعاون إخراجي مع المخرجين سامر برقاوي والفنان نضال سيجري.
ولعل في نجاح كل تلك الأعمال عند العرض ما يثبت أن الشراكات الفنية التي خاضها الليث حجو كانت هي ما تحتاجه الدراما السورية، في هذه المرحلة- مرحلة تبدو فيه صناعة الدراما السورية بلا تقاليد، مدفوعة نجاحاتها بجهود أبنائها، التي بلاشك بدت في أفضل أحوالها حين تتحد جهودهم. وكانت أسوأ ما تكون عليه في الأعمال التي طغت عليها “الأنا”، ولعل السقوط الدراماتيكي لكوميديا “بقعة ضوء” بعد نجاحه المدوي المثال الأكثر تعبيراً عن التحول من جماعية تقديم العمل إلى فرديته.
إضافة إلى شراكاته الفنية السابقة، راح الليث حجو يؤسس لعلاقة مختلفة مع الجمهور والنقاد والإعلاميين، فقام مع شركة (سامة) للإنتاج الفني-المنتج المنفذ لمسلسل “أهل الغرام” بدعوة النقاد والإعلاميين لمشاهدة حلقات من الجزء الثاني للعمل، للوقوف على آرائهم في العمل في محاولة للخروج منها برؤية جديدة تؤسس لمشاريع تالية، وقبيل شراكة الليث حجو مع النقاد والإعلاميين، كان الرجل أسس لشراكة إبداعية مع الجمهور، حين قام بدعوتهم لرفد الجزء الثاني من “أهل الغرام” بتجارب وقصص حب حياتية معاشة لتقديمها تلفزيونياً.
وفي كل مرة كان الليث حجو يخطو بشراكاته المتعددة، خطوة جديدة على صعيد إرساء تقاليد جديدة للعمل التلفزيوني، فأدار في مسلسله الأول “بقعة ضوء” مجموعة من الممثلين المخضرمين وقدمهم في مشاهد قصيرة عادة ما يشتغل عليها ممثلون كومبارس، وكان مسلسله “أهل الغرام1” الأول في كسر طوق العرض الرمضاني، وجاء “أهل الغرام2” الجزء بأفكار الجمهور وتقييم النقاد، وخاض في مسلسل “ضيعة ضايعة” مغامرة اللهجات المحلية السورية الصعبة واستطاع عبر إنتاج بسيط نسبياً أن يحقق المعادلة الصعبة فنياً وجماهيرياً.، وعاد ليكرس اللهجة المحلية في السويداء في مسلسله “الخربة”، ولم يعد خفياً على أحد أن كثيراً من مشاهد مسلسل “الانتظار” التي صورت في الطرقات والساحات العامة كانت مشاهد حية وسط أمكنة بشر حقيقيين، وقد تم تصويرها بطريقة الكاميرا الخفية والزووم.
بالعموم لا يحتاج الليث حجو لبراهين على تميزه كمخرج، فقد تميزت تجربته في مجال الكوميديا بالإسقاط الاجتماعي، ولعل أبرزها كانت اللوحات الكوميدية الاجتماعية الناقدة “بقعة ضوء”، والتي قدمها بعد بعامين “عالمكشوف” بالتعاون مع رافي وهبة وآخرون، وفي هذا العمل استكمل الليث ما بدأه في “بقعة ضوء”، تالياً نفذ الليث اللوحات الناقدة “أمل ما في “، قبل أن يخرج مسلسل “ضيعة ضايعة1” وتتعاقب شراكته في الكوميديا الناقدة مع ممدوح حمادة، ليقدما معاً الجزء الثاني من “ضيعة ضايعة” و”الخربة” و”ضبو الشناتي” وأخيراً “الواق واق”.
وعلى صعيد التراجيديا عالجت أعمال الليث حجو قضايا أكثر التصاقاً بالمجتمع، وقد مالت في معظمها نحو طرح جريء لقضايا اجتماعية عامة، فيما شكلت حكايات الهم الإنساني البسيط شكلت محوراً هاماً في الموضوعات الاجتماعية التي تناولها، فدخل منطقة العشوائيات وأحزمة البؤس، لترصد حياة الناس في مسلسله “الانتظار” الذي كتبه حسن سامي يوسف ونجيب نصير.
وفي مسلسل “الانتظار” غاصت كاميرا الليث حجو في مناطق السكن العشوائي التي تحيط بمدينة دمشق، متناولاً شريحة اجتماعية مهملة تعاني الحرمان، تجمع بين أفرادها مجموعة من السلوكيات والقيم والعلاقات التي تبدو بعضها خارجة على القانون، لكنها في النهاية ضحية.
وكانت حكايات الحب، محور بارزاً أيضاً في أعماله، وقد قدم على هذا الصعيد التجربة الدرامية الأصدق تعبيراً، في مسلسل “أهل الغرام” الذي أخرجه عن نصوص للكاتبين “لبنى مشلح” و”زهير قنوع”.
وقارب الليث حجو الحياة السورية في ظلال الحرب عبر عملين لعلهما من أهم الأعمال التي قاربت هذه المرحلة ، هما “سنعود بعد قليل” و”الندم”…وهو يستعد الآن لتصوير عمله الثالث “مسافة أمان” عن المجتمع السوري ما بعد الحرب، بعد أن قارب في “ٍسنعود بعد قليل” آثار بدايات الحرب على حياة السوريين، وقدم في “الندم” تحولات المجتمع السوري بتأثير هذه الحرب.
باستثناء تجربتي “لعبة الموت” و”24 قيراط” لم تبتعد دراما الليث حجو عن الواقع السوري وقضاياه، ولعل الليث نفسه كان بعيداً فيهما عن الليث الذي نعرفه ونؤمن باسمه كواحد من الاسماء القليلة جداً التي لم تزل حتى اليوم تشكل ضمانة لاستمرار الدراما السورية ومبعث ثقة بجودة المسلسلات التي تأتي بتوقيعها.
وكما يبدي الليث حجو حساسية في التقاط مواضيع مسلسلاته والشغل عليها، يبدو الإحساس بالمشهد والشغل على تفاصيله السمة الغالبة في رؤية الليث حجو الإخراجية، إضافة إلى الإدارة المعرفية للنص والاستخدام الفني التعبيري للكاميرا وقدرتها التعبيرية.
Leave a Reply
Want to join the discussion?Feel free to contribute!