بيروت – أمين حمادة – الحياة – 15 يوليو/تموز 2015
يدلّ مسلسل «الحقائب» على ارتباطه بالواقع السوري، من خلال عنوانه الآخر «ضبوا الشناتي».
المصطلحات سورية بامتياز والمعنى أيضاً تفسره شارة إياد الريماوي «سفرني ع ايا بلد وتركني ونساني (…) وسميها نزوح أو لجوء انساني»، من خلال عائلة «خليل» الفنان بسام كوسا وأفراد الحي الدمشقي القديم، يلامس الكاتب ممدوح حمادة المعاناة الإنسانية اليومية بكل تفاصيلها بجرأة لافتة، ومن زاوية رومانسية لم تكن متوقعة بسبب كمية الألم، إنها رومانسية التشارك في الوجع والمصيبة، والخوف والقهر تحت سقف العائلة والوطن، كرومانسية نور الشمعة بسبب مصيبة قطع الكهرباء، ربما لأن الأزمة السورية ولدت هذه الحالة البشرية كأن «لا تُحزن سورياً آخر، فقد لا تجده حياً غداً».
شخصيات «الحقائب» تمثل كل أطياف الشعب والانقسامات السياسية الآنية، ومنذ الحلقة الأولى يتنقل الكاتب بين هذه الخطوط مستخدماً إسقاطات أقرب إلى المباشرة بطابع شبه كوميدي، فيروي من وجهة نظره حكاية الموالي «عادل» (أيمن رضا) الذي اعتاد كتابة التقارير والمشغول ببناء الدشم فلا يسمع الرأي الآخر المتمثل بالمعارض «رضوان» الذي يؤدي دوره الممثل أيمن عبدالسلام الذي يجسد شخصية الثائر الذي يستطيع أن يوازن شعاره مع متطلباته الخاصة بسهولة، وما بين الفئتين، يكمن الرمادي «سلام» (أحمد الأحمد) الذي يدَوِر الزوايا بينهما وبرأيه «بكلمتين حلوين وبقرشين بتلغي أكبر شعار».
أما لسان حال الغالبية الصامتة فيتكلم عبر مجموعة شخصيات على رأسها «فداء» (أمل عرفة)، قائلاً في أحد مشاهد النقاشات الحادة بين «عادل» و «رضوان»: «حاج تحكوا خلونا نام»، وترتفع «صرخة التعب» مع تصاعد الأحداث “كل شوي بيلاقوا محامي عم ينَصب حالو يدافع عن الشعب، تركوا الشعب بقا خلوا يعرف يعيش”.
وعلى رغم تعمد انخفاض منسوب الكوميديا مقارنةً بأعمال حمادة السابقة، إلا أن «الكاراكتيرات» واللازمات واضحة بأداء لافت في بخل او حرص «خليل»، وعند «سلام» الذي يتحدث بمفردات الإنترنت، وفوبيا الهاون التي دفعت «فداء» لحمل طبق نحاسي فوق رأسها طوال الوقت، وقلب الجمل بعد إعادتها عند «غراندايزر» الذي يلعب دوره الممثل شادي الصفدي.
وفي هذا الإطار يبرز استخدام مصطلحات الأزمة كأداة الحوار الأساسية، مثلاً السؤال عن الحال أصبح «تدخلاً في الشؤون الداخلية»، ويغوص النص عميقاً في تفاصيل الأزمة مثل الرواتب والقناص والأزمة المادية والتسول والانترنت ومراقبة شبكات التواصل الاجتماعي إذ يقول أحد الحوارات «4 أو 5 بوستات ويعتقلونك»، ولا تغيب النكبات التي فرقت العائلات السورية إذ يدور «عساف»الذي يؤدي دوره الفنان «فايز قزق» في مشهد تراجيدي على غرف أولاده ليدعوهم لشرب الشاي رغم أنهم مسافرون.
ومن الناحية الإخراجية يوظف المخرج الليث حجو بذكاء بقية التفاصيل، فيضع صوت الهاون والرصاص والإسعاف في الخلفية السمعية، ويستفيد من انقطاع الكهرباء لتقديم مشاهد ليلية بجمال بصري، ويصوّر أزمة الوقود والغاز حين يشير أحد المشاهد إليها وإلى التراجع الذي أصاب البنية الاقتصادية من خلال يافطة مكتوب عليها “لدينا مكاشات بوابير”.
ويستمر حجو بالاعتماد غالباً على اللقطات المتحركة في بداية المَشاهد ما يعطي أفقاً أوسع للصورة وأقرب إلى التفاصيل، ولا يغيب عن عدسته ذكاء التقاط الإشارات الرمزية في المشاهد، الأمر الذي تفتقده الشاشة بنسبة عالية، ومثال ذلك لقطة ضرب الياسمين بدلالاته السورية بين سندان النظام ومطرقة المعارضة، أو طريقة مصافحة كل فرد من أفراد العائلة المنقسمة بما يدل على فكر كل واحد منها.
من يتابع «الحقائب» على الشاشة السورية، سيجد الكثير من أحداث العمل على الشريط الإخباري أسفل الشاشة، وسيشاهد المأساة اليومية لا سيما إذا كان دمشقياً بحكم فضاء العمل الجغرافي.
أما من يُنصح بمشاهدة العمل بالدرجة الأولى، فالمتحاربون أنفسهم لعلّهم يرون ما خلفّوا من أذى عبّر عنه، أحد حوارات العمل: “في كل الدنيا، الأولاد يجمعون الطوابع، إلا في سورية يجمعون الشظايا
“.
Leave a Reply
Want to join the discussion?Feel free to contribute!