موقع الشرق – رنا نجار 

حزيران 20 – 2020

رابط المقال: 

https://bit.ly/2ZcOLc5

لمع اسم المخرج السوري الليث حجو باكراً في عالم الدراما والكوميديا السوداء، منذ أخرج “بقعة ضوء” و”ضيعة ضايعة” الذي وصل إلى العالمية، وتُرجم إلى لغات عدة.

نجح الليث في محاكاة أصعب أنواع المشاعر الانسانية والمواقف السياسية في الدراما، كما فعل في مسلسله الأخير “أولاد آدم” الذي أثار نقاشات واسعة ونال استحسان قطاعات واسعة من الجماهير والنقاد.

يقول حجو، في مقابلة خاصة مع “الشرق”، إن العمل التلفزيوني “نتاج عمل جماعي واشتراك مجموعة من العناصر الفنية والتقنية التي تساهم في نجاحه”. ويشير إلى “أننا حاولنا من خلال (أولاد آدم) أن نقدم عملاً واقعياً، يراعي المتعة والترفيه ويحترم ذائقة المُشاهِد وعقله في الوقت ذاته، فكان لا بد من الاقتراب منه والغوص في يومياته وهمومه وطرح قضايا إنسانية تحاكي يوميات الشارع من دون الانفصال عنه نحو فانتازيا متخيلة تسعى وراء المتعة فقط”.

وأكد حجو أن وراء المسلسل ممثلين “آمنوا بفكرة المسلسل النجم، ما جعلهم يقدمون أفضل ما لديهم بهدف نجاح العمل كموضوع وفكرة، بعيداً عن نجاحاتهم الفردية. وانتهاء بشركة إنتاج محترفة عرفت كيف تسوّق عملها لمحطات مشاهدة عربياً”.

ثمة إشكالية “عدالة اجتماعية” ترافق غالبية أعمالك، ما الذي ترمي إليه؟

منذ وُجدت الدراما، خُلقت لتكون في خدمة البشرية. فهي أداة مؤثرة في إحداث التغيير الاجتماعي، لما لها من ارتباط بحياة الجمهور، باعتبارها وسيلة من وسائل الارتقاء بالمجتمع، من خلال تناول مشكلاته وطرحها بشكل صادم أحياناً. فهي بذلك تساهم في تشكيل قيم هذا المجتمع وعاداته وتقاليده، وتعتبر كذلك بمثابة ذاكرة حية للشعوب ووسيلة فاعلة للتوثيق. ومن هنا، تأتي أهميتها وخطورتها في الوقت ذاته. لذلك علينا كصناع لهذه الدراما أن نكون مسؤولين تجاه ما نقدمه أخلاقياً أولا ثم فنياً.

كيف تقرأ نصوصك وتختارها؟

إن ما نعيشه اليوم ونشاهده من أحداث في حياتنا اليومية، قادر على صناعة أعظم أنواع الدراما التي لا تخلو من عنصر الدهشة والتشويق والإثارة. إذ يكفي لأي نص أن يلتقط أحد أصغر هذه التفاصيل ويقوم بمعالجة الموضوع بشكل مسؤول ومقنع، ويعرف كيف يقدمه ضمن شرط المتعة والتسلية. هذا كاف لأن يكون هذا النص ضمن خياراتي، مع محاولة دائمة للانتقال بين الأنواع الدرامية والمواضيع والبيئة، مع بحث دائم عن ما هو جديد والابتعاد عن التكرار قدر الإمكان.

عملت مع رامي كوسا أكثر من مرةّ وتكلّل تعاملكما بالنجاح، ما الذي يجمعكما؟

بشكل أساس، أنا أثق بإمكانات الجيل الشاب وقدرته على مخاطبة أبناء جيله من المشاهدين. وهذا ما أحتاجه أنا أيضا لأبقى على تواصل. وأواكب ما وصلت إليه الدراما في عصر أصبحت المنصات العالمية أكثر انفتاحاً على المشاهدين عبر العالم. ولم تعد المنافسة أمراً سهلاً. وإذا لم نقل منافسة فعلى الأقل علينا مجاراة هذا التطور، أضف إلى ذلك مرونة رامي وانفتاحه على كل الاقتراحات، وهذا ما يفعله الكاتب الواثق من نفسه.

يتلقى الممثلون في مسلسلاتك إشادة كبيرة، كيف تختار الممثلين؟

أنتظر عادة أن تنضج الشخصيات على الورق وتكتمل مواصفاتها المادية والنفسية. وأحاول جاهداً أن لا أتأثر بالانطباع الأول للقراءة، فهو في الغالب ناتج عن مقارنات ومشاهدات سابقة. وكثيراً ما أتأخر في تثبيت قائمة الممثلين حتى المراحل الأخيرة ما قبل التصوير. وبالتأكيد، إن فهم الشخصية وأبعادها الفيزيولوجية والاجتماعية والنفسية هو الانطلاق الأساس في اختيار الممثل المناسب للشخصية. كما أحرص أيضاً على انتقاء جميع الأدوار مهما صغر حجمها، لقناعتي بأهميتها وقدرتها على الإقناع والتأثير على أداء الشخصيات الرئيسية. في بعض الحالات يتدخل الشرط التسويقي في اختيار الشخصيات الرئيسية، وليس هناك مشكلة طالما أننا لم نقم بتفصيل الشخصية المكتوبة على مقاس الممثل.

ألا تغامر أحياناً حين تقدم ممثلاً في شخصية مختلفة عما اعتاد على لعبه من أدوار؟

لكل مخرج رؤيته وقناعاته في أداء الممثلين تحت إدارته، وضمن ظروف قد لا تتوفر دائماً لتكون منسجمة مع خياراته. وهذا لا يقلل من جهد أي منهم. أنا أعتقد أن من أولى مهام المخرج أن يضع الممثلين ضمن بيئة منسجمة مع الشخصية من حيث الحوار والأفعال التي تتناسب معها، وجميع العناصر المساعدة من ملابس ومكياج وإكسسوار، وحتى عمليات المونتاج الأخيرة التي تختار أكثر اللحظات أهمية وتخفي ما هو فائض.

من المؤكد أن الفهم العميق للشخصية وأبعادها، ثم ترك مساحة كافية للممثل لخلق وتبني هذا الكاراكتير ضمن المواصفات المتفق عليها سابقاً، هو شكل الشراكة الناجحة بين المخرج والممثل. فأنا لا أؤمن بأن المخرج من يصنع الممثل. المخرج الجيد من يضع الممثل الجيد في المكان والظرف المناسبين، وليس عليه سوى مراقبة أفعاله وضبطها ضمن معايير متفق عليها لصالح الشخصية.

في تقديرك ألا تفقد الأعمال المشتركة الجنسيات واللهجات المسلسل هويته المحلية؟

أنا مع التقييم الفني والنقدي للعمل بعيداً عن جنسية العاملين فيه. فليس كل عمل محلي يكون ناجحاً بالضرورة. ولا كل عمل مشترك هو عمل فاشل أيضاً. هل يمكننا إسقاط هذا التوصيف على السينما الأميركية، التي ساهم مخرجون وممثلون من جميع أنحاء العالم في صناعة أهم أفلامها؟ وهل الوجود السوري في لبنان أمر متخيل وخارج عن الواقع والمنطق؟

المشكلة إذن ذات شقين، الأول هو مدى الإقناع بالفكرة والقصة أينما حدثت، وقدرة الممثل على تجسيد الشخصية بغض النظر عن جنسيته، وهذا ما يتحمله صناع العمل. أما الشق الثاني، فهو رفض مسبق للآخر ومحاكمته على أساس جنسيته، وهذا يدل على تفكير عنصري لا يمكن مناقشته فنياً.

كيف تجمع تناقضات فنية من كوميديا وتراجيديا في عين واحدة ومشهد واحد؟

إيماناً بأهمية الكوميديا ودورها في عملية التغيير نحو عالم أفضل، فإنني غالباً ما ألجأ إلى الكوميديا التي تستمد روح السخرية من المأساة والمعاناة، إذ تتعامل مع أكثر الجوانب السلبية بروح الفكاهة الصادمة. لذلك لا يمكننا التعامل مع هذا النوع من الكوميديا باستخفاف، بل بكثير الحساسية والمسؤولية كي لا نبدو وكأننا نستخف بإنسانيتنا، ولهذا السبب نفسه قد ألجأ في بعض الأعمال التراجيدية إلى شيء من الطرافة والخفة في معالجة بعض المشاهد. هي محاولة لمحاكاة أصعب أنواع المشاعر لدى المتلقي والتأثير به.

في قصة “أولاد آدم” تجسيد قوي للتناقضات اللبنانية بكل تعقيداتها، كيف تمكنت من التقاط كل تلك الخبايا؟

لا يختلف الوضع بين لبنان وسوريا. كما أننا في زمن التواصل الاجتماعي ومواقع والبحث، التي جعلت العالم قرية صغيرة. لم تعد هناك خبايا، الحكومات فقط في منطقتنا لا تزال تعتقد أن هناك خبايا، وهي تصر على استخدام عبارة (ممنوع الاقتراب والتصوير). وفي حالتنا هنا، في مسلسل أولاد آدم، اعتمدنا أنا والكاتب على البحث والاستشارة والاستفادة من جميع الخبرات المطلوبة للعمل، من قضاة ومحامين وأطباء ومهتمين بالشأن العام. وهذا ما نفعله دائماً حتى عندما نعمل في سوريا، حرصاً منا على الاقتراب أكثر من وجدان المشاهد واحترام عقله.

أين تُصنّف مسلسل”أولاد آدم”؟

إنها محطة فنية جديدة لعمل يقترب أكثر من واقع الطبقة الوسطى في لبنان، ويكتشف عوالمها وأزماتها، كما يسلط الضوء على الجانب الإنساني بكل أمانة وشفافية، وهذا ما ساعد على مد جسور الثقة أكثر بين العمل و المشاهد.

كيف تعيش قلق العمل المقبل بعد نجاح المسلسل؟

بالفعل، أعيش النجاح أكثر قلقاً وحرصاً على الخطوة التالية. فالنجاح مسؤولية أتحملها مع كل كلمة ذكرت في حق العمل سلباً أم إيجاباً. وهو ما يجعلني أبتعد قليلاً لأعيد النظر في ما أنجزت عن بعد، حيث تتضح الصورة أكثر. وأبحث عن الأخطاء والسلبيات، من دون الاستسلام للمديح والاحتفال بالنجاح، فمقتل المشروع الفني، هو عندما نعتقد بأن ما وصلنا إليه هو الأفضل. لذلك سأعمل جاهداً للاستفادة من جميع الأخطاء لتقديم عمل أفضل.

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *