اندبندنت العربية – هيام بنوت 

آب 22 – 2019

: رابط المقال  

 https://bit.ly/3eysmMJ

 

كُرّم المخرج السوري الليث حجو على هامش العرض الأول لفيلمه القصير “الحبل السري” على مسرح دار الثقافة في حمص، والذي سبق أن عُرض في مهرجان “الكرامة” في بيروت.

الليث حجو الذي بدأت مسيرته الإخراجية كمساعد مخرج على أيدي أهم المخرجين السوريين، تحدث بداية عن سر تميّز أعماله وانتشارها من دون استثناء، قائلاً “لا شك أن فرصة العمل مع مخرجين كبار كانت لها فائدة عظيمة، كما أعتقد بأن المواضيع التي قدمتها من خلال هذه الأعمال، لها أيضاً دور كبير بسبب مقاربتها للواقع وارتباطها بالظرف الزماني والمكاني، ومحاولة دائمة لتمرير الرسائل والمقولات، كواجب أخلاقي وأساسي لدور الفن، من دون الانتقاص من أهمية عنصر المتعة والتسلية. وبعض هذه الأعمال استمرت ولم ترتبط بزمان المشاهدة الأول ويمكن إعادة قراءتها لاحقاً، كمسلسل “ضيعة ضايعة” الذي تكررت مشاهدته مع مرور الزمن، فهو يحمل قضايا إنسانية عامة تصلح لكل زمان ومكان، وكذلك “الخربة” و”الانتظار” كمثال على أعمال وثّقت قضايا إنسانية راهنة. أهمية أي عمل فني ترتبط بشكل أساسي بأهمية المواضيع التي يطرحها، من دون إغفال عنصرَيْ المتعة والجذب”.

كوميديا وتراجيديا

وعن السبب الذي جعله يقول إن أعماله الناجحة تسبب له إرباكاً، وهل هذا يعني أن الإرباك يلازمه كون كل أعماله ناجحة، أجاب “أنا مربك في حياتي، وأعيش حالة قلق من العمل المقبل. نجاح العمل يحمّلني مسؤولية لتقديم الأفضل، وهذا مرهق وصعب ومتعب جداً. أحاول البحث دائماً عن نوع مختلف تجنباً للمقارنة، لأنها تظلم العمل، كما أحرص على أدوار مختلفة بين الكوميديا والتراجيديا وهذا التنوع يحتاج إلى مزاج مختلف تماماً”.

حجو الذي تألق في الكوميديا والتراجيديا على حد سواء، يعيد السبب إلى كونه يتعامل مع الكوميديا بالجدية ذاتها التي يتعامل فيها مع التراجيديا، ويضيف “عادة أنا لا أتعامل معها بطريقة كوميدية، وآلية أعمالي ترتكز على جديتي”.

وعما إذا كانت الجدية هي من صلب شخصيته أم أن هناك جانباً كوميدياً فيها، يجيب “غالباً، أنا جدي في التعامل، حتى الكوميدية عندي تظهر بشكل جدي. أنا ميّال للجدية أكثر”.

ورطة

حجو الذي يُعرف بقدرته على إقناع الممثل بالدور الذي يرشحه له، لأنه يكون واثقاً تماماً  بأنه مناسب له وليس لأحد غيره، يوضح “أحيانا أنا أتورط في هذه الفكرة، وهي ليست صحيحة دائماً. عند القراءة الأولى لأي نص، أحاول ألا أتحيّز في خيالي لأي ممثل، وأفضّل أن أفعل ذلك في القراءات اللاحقة. ولكن عندما تظهر في ذهني فجأة صورة كاراكتير ما أو ممثل، أجد صعوبة في أن أجدها في ممثل آخر، وأحتاج إلى جهد كبير لكي أستبدله بغيره. أنا أحاول دائماً استبعاد الخيار الأول، لأنه يكون تقليدي، وأذهب إلى خيار آخر معاكس تماماً”.

ونفى حجو أن تكون كل خياراته صحيحة وفي مكانها دائماً، موضحاً “مطلوب من المخرج أن يقدم خيارات بداية من النص بكل حواراته ومشاهده وممثليه، ولاحقاً مواقع التصوير والتفاصيل الأخرى كافة، التي يحتاجها التصوير والتي يفترض أن يوافق عليها. أحياناً لا تكون الخيارات المتوفرة والمتاحة له هي المثلى ولكنها الأقرب إليها. بالنسبة إلى الممثلين، أضع ثلاثة أو أربعة إحتمالات، وأختار من لديه الوقت والقدرة على الالتزام مع الجهة المنتجة”.

وعما يرغب حجو في قوله كمخرج ولكنه لم يتمكن من ذلك، بعد تراكم تجربة إخراجية عمرها 18 عاماً، يرد “لا توجد لدي مقولات كبيرة أو عناوين عريضة. أنا أقدم مشروعاً فنياً متكاملاً بدأ منذ أول محاولة مع بقعة ضوء، وسينتهي مع آخر لقطة أصورها. الفن يتجدد مع ظروف الحياة، والواجب الأخلاقي والمسؤولية يدفعان المخرج إلى الاستمرار في القول، ولكنها ليست مقولتي وحدي، بل مقولة فنية متكاملة، طالما نحن نتعامل مع الحياة. أنا قليل اللقاءات الصحافية وذلك لأني أستطيع التعبير كمخرج أكثر منه كمتحدث”.

“ضيعة ضايعة” في شيكاغو

وعن إمكانية وصول المخرج العربي إلى العالمية، على غرار تجارب بعض الممثلين العرب، يجيب حجو “هناك احتمالان للوصول إلى العالمية، الأول أن يعمل المخرج ضمن إنتاجات عالمية وهذا طموح الجميع وأنا من بينهم. ربما هو صعب حالياً، لأنه يكون نتيجة فرصة تحصل بالصدفة أو ربما يجري السعي إليها. والثاني، العمل على المحلية باتجاه العالمية. كلما استفضنا في أعمالنا في المحلية يمكن أن تتحول يوماً ما إلى مادة تنتشر عالمياً. لا يجوز الاستخفاف بالمنتج المحلي عندما يجري التعامل معه باحترام وجدية. مثلاً ضيعة ضيعة يُناقَش في إحدى جامعات شيكاغو بعد ترجمة حلقاته على اعتبار أنه كوميديا سياسية. وهذا يعني أنه حقق العالمية من أقصى المحلية، لأنه يتحدث عن بقعة صغيرة في سوريا واستطاع أن يغرقنا في تفاصيلها. وفي الوقت ذاته، فإن هذا العمل يحقق مشاهدة في المنطقة العربية، لأنه بلهجة مفهومة. لن أبالغ وأقول أن ضيعة ضايعة عالمي، ولكن يكفي أن أحداً من غير هذا المكان فهمه واهتم به”. وفي المقابل، نفى أن يكون قد تلقّى اتصالات بهدف التعاون معه في عمل عالمي مشترك، قائلاً “يبدو أنني كسول إلى حد ما”.

الظرف الإنتاجي

حجو الذي يشدد على الجديّة في التعامل مع الفن، لم ينفِ وجود بعض المحاولات والتجارب الجدية عند الآخرين، شارحاً “الظرف الإنتاجي يطغى أحياناً على نوع العمل الفني. وللأسف، فإن القنوات التي تتحكم بالمنتج مربكة لناحية أن نكون أصحاب خيار في المادة التي نقدمها، لكن تبقى هناك مؤسسات إنتاجية تراهن على النوع حتى لو كانت الخسارة محققة، وهي متوفرة في سوريا ونتمنى أن تبقى صامدة، لأنه تُفرض علينا أحياناً أعمال بمواصفات لا تناسبنا تماماً، ونحاول أن نمرر بين السطور ما نريد أن نقوله”.

وعن الأعمال التي فًرضت عليه، أجاب “أنا وافقت على أعمال لأنها كانت متاحة ضمن هذه الشروط، وحاولت من خلالها تقديم وجهة نظر فنية. تلك الأعمال لم تُفرض علي بمعنى المقامرة على المنتج الفني، ولكن هناك محطات من حقها أن تبحث عن شرط المتعة وهو الشرط المطلوب اليوم أولاً وأخيراً، ولكنه لا يقللّ من قيمة المشروع الفني. معظم هذه الأعمال من نوع البان أراب، ومع أن الكثيرين يرفضونها ولكنها نوع موجود ومن حق الناس مشاهدته. ويبقى الخيار لنا ومن حق كل منا أن يقول ما يريد أن يقوله عبر هذا المنبر”.

حجو الذي سبق أن خاض هذه التجربة أشار إلى أنه لا يقلل من قيمتها، لكنها تخضع لشرط التسويق، وأوضح “من خلال لعبة الموت، حاولت تقديم شكل فني مختلف عما سبقه”.

ممثل ونجم

وعما إذا كانت الدراما المشتركة أفسدت الممثل لأنها تؤمن له الانتشار والنجومية على حساب نوع العمل، أوضح “هي يمكن أن تؤثر، ولكني أراهن دائماً على إمكانات الممثل الحقيقي. هذه الأعمال يمكن أن تصنع نجماً وليس ممثلاً. لكن لا يمنع من أن يكون الممثل نجماً، ومنى واصف وتيم حسن وباسل خياط نجوم، لكنهم ممثلون أولاً. ولكن في حال كان نجماً بالصدفة أو عن طريق الضخ الإعلامي، فإنه يبقى نجماً وربما هو يبحث عن النجومية فقط وهذا حقه. هناك فرق بين النجم وبين الممثل، والبرامج يمكن أن تصنع منه نجماً، ولكن الممثل هو الأصعب. الخلاف الذي نشب أخيراً حول من هو النجم الأول، هو صراع على أمرٍ ما ولكن ليس على مشروع الممثل أبداً”.

كما أكد حجو أنه يمكن أن يكرر تجربة “البان أراب” في حال توفر المشروع المغري فنياً، مضيفاً “من خلال الشرط الإنتاجي المتوفر، يجب أن أصنع مادة ما، وهذا التحدي موجود عند صناعة العمل الفني. لا شيء يمنع من خلال هذا النوع، صناعة مادة فنية تحمل مقولة ما، وليس بالضرورة مقولة كبيرة، لأنني أُتّهم دائماً بذلك، ولكن يكفي أن يكون الشكل الفني مختلفاً وليس نسخة مطابقة عما سبقه”.

“مسافة أمان”

وعن إمكانية تكرار تجربة إخراج الفيديو كليب، التي خاضها مرة واحدة مع أصالة، أوضح “أنا أعتز وأتشرف بهذه التجربة كثيراً. وسبق أن أخرجت حفلات موسيقية وسجلت مسرحيات للتلفزيون، ويشرفني أن أكون في أي مشروع فني، وأكثر ما يهمني هو المحتوى”.

عن آخر أعماله “مسافة أمان” الذي وجد البعض أنه الأفضل ولكن لم يُروّج له إعلامياً كما الأعمال الأخرى، يقول “أنا أراهن على الوقت لمعرفة أهميته. لا يمكن أن نوفَّق دائماً بشركة منتجة تروّج للعمل على الشكل المطلوب، والزمن هو الذي يثبت نوع العمل الذي يبقى والأفضل. ولكني لا أقول أن مسافة أمان كان الأفضل، لأن الدراما السورية شهدت هذه السنة عودة إلى الأعمال المهمة، ومن يستمر من بينها يثبت أنه الأكثر تميّزاً”.

واعتبر حجو أنه يسعى إلى الدراما التي تستمر، موضحاً “عادة يُتهم التلفزيون بأن ذاكرته ضعيفة، ولكن من خلال تجربتي أجد أنه لم يعد هناك فرق بين السينما والتلفزيون، بل المحتوى هو المهم، وعندما يحترم عقل المشاهد، فلا بد من أن يبقى ويستمر”.

عن مشاريعه المستقبلية، أشار إلى أنه يقرأ نصوصاً ولم يصل إلى نتيجة حاسمة، وأنه يبحث عن أعمال مختلفة كلياً، وهذا ما يجعله يتأخر في الاختيار.

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *