الليث حجو: “صورت مشاهد حية لأناس حقيقيين لتكون الصورة أكثر صدقاً”

دمشق ـ تهامة الجندي

كتب هذا المقال في صحيفة البيان بتاريخ 19 كانون الأول عام 2007

ربما يكون مسلسل «الانتظار» واحداً من أهم المسلسلات السورية التي أنتجت هذا العام، واحتكرت عرضه القناة الأولى في التلفزيون السوري، وتنبع أهمية هذا المسلسل من محاولته رسم فسيفساء صادقة لمشكلات السكن في الأحياء العشوائية، تلك الأحياء التي انتشرت في ضواحي دمشق بعيداً عن أعين القانون والرقابة، وأفرزت مجموعة من العلاقات والسلوكات والقيم، هي بدورها خارجة عن القانون والأعراف وعن شروط السكن الصحي والآمن في أي مكان من هذا العالم.

العمل من تأليف حسن سامي يوسف ونجيب نصير ومن إخراج الليث حجو، وأنتجته الشركة العربية بتمويل من شركة «عرب»، أما القصة فيقوم بنسجها عدد من العائلات التي تتقاسم هموم العيش في الحي العشوائي، تنتقل ما بينه وبين العاصمة، تحلم بالتغيير لكنه لا يأتي أبداً، وأثناء ذلك ترسم نماذج بشرية شوهها الانتظار وكسرتها الخيبة، فمن عائلة الصحافي وائل «بسام كوسا» الذي اضطر للسكن خمسة عشر عاماً في الحي، بانتظار أن يستلم بيت الجمعية، فهجرته زوجته «يارا صبري» إلى بيت أهلها، وتشتت أسرته، إلى عائلة أبو سعدى «عمر حجو» المكونة من ابنتيه «سلافة معمار، ونسرين طافش..» ينزلقن في درب الغواية بحثاً عن لقمة العيش، ومن عائلة الأخوين اليتيمين اللذين يعملان في جلي البلاط «أيمن رضا وأحمد الأحمد» إلى الشرطي المخبر «قاسم ملحو» فالمهرب البلطجي «نضال سيجري» والمدمن «اندريه سكاف» واللقيط قبضاي الحارة «تيم حسن» والغانية «عبير شمس الدين».»

كل هؤلاء يجتمعون في بيوت متلاصقة لا تحفظ سر أحد، تحوطها الشوارع الضيقة القذرة والمزابل التي غدت ملاعب للأطفال، وكل من هؤلاء يبحث عن خلاصه الفردي بغض النظر عن الأساليب، يلتقون ويفترقون في بيئة شائكة وملوثة باتت تشكل ملابساتها إحدى أهم المشكلات التي تعاني منها العاصمة دمشق.

ويتحدث المخرج الشاب الليث حجو عن خصوصيات النص وظروف تصويره وأسلوبه الإخراجي قائلاً: “«الانتظار» هو المسلسل الوحيد الذي قُدّم إليّ مباشرة، وأنا اقترحته على الجهة المنتجة ووافقت عليه، وفعلت ذلك ليس لأن كاميرا التلفزيون لم تدخل هذه العوالم، فهناك أعمال سابقة قدمت هذه البيئة مثل «بكرا أحلى» و«الأيام الحلوة»، ولكني في هذا النص وجدت مادة أكثر اتساعاً وأكثر شمولية وتخصصية عن إشكالات الأحياء العشوائية، فكانت فرصة لأن يكون تعاملي معها من منظور أوسع ودقة أكبر”.

يتابع حجو: “كان همي نقل تفاصيل هذه البيئة بكل أمانة وواقعية وبشكل درامي وفني مناسب، كان هاجسي الأساسي هو البيئة بحد ذاتها، ولذلك كانت ظروف التصوير صعبة، فقد حاولت أن يكون كل شيء أقرب ما يكون إلى الحقيقة، وقبل بدء تصوير المسلسل بشهرين تجولت في أماكن السكن العشوائي، وصورت الحارات والبشر وأنواعاً من المهن لا تخطر على بال أحد، ووضعت كل ذلك كمادة أرشيفية وهي مادة أسوأ بكثير مما رآه المشاهد في المسلسل”.

وحول أسلوبه قال حجو: “حين دارت الكاميرا وفي كثير من المشاهد، كنت أزج بالممثلين وسط أمكنة حقيقية وبشر حقيقيين، واضع الكاميرا في مكان بعيد وبواسطة «الزوم» أدخل المكان، مثلاً في الحلقة الثامنة مشهد الأولاد الذين يلعبون الكرة وسط المزابل، وبجانب الشاحنات التي تعبر الشارع هو مشهد حقيقي صورته في ساحة حقيقية بـ«دوار الكبّاس» ومشهد حادث «الميكرو» الذي أودى بحياة الأطفال صورته في مكان واقعي وردود فعل المارة على الحادث، لم تكن ردود «كومبارس» وإنما كانت ردود فعل بشر حقيقيين مروا بالصدفة بجانب مكان التصوير، واعتقدوا أن الحادث حقيقي”.

وأضاف حجو: “في أي مشهد كنت أستطيع أن التقط صوراً حية، كنت أفعل ذلك بكاميرا مخفية عن الناس، وأغلب المشاهد في الطرقات والساحات العامة هي مشاهد حية، وأعتقد أن أي «كومبارس» ما كان بإمكانه أن يقوم بردود الأفعال التي التقطتها حية من أناس موجودين على أرض الواقع”.

وعند سؤاله: “هذا يعني أن إمكانات الارتجال كانت متاحة بشكل واسع أمام الممثلين أثناء التصوير؟”

أجاب حجو: “هذا صحيح فعلى سبيل المثال في مشهد «سوق الحرامية» حين نزل الفنان تيم حسن وسط الباعة ووضع بضاعته بينهم من دون أن يعرفوه، كنت أنوي فقط أن أصور حركة السوق، لكن في لحظة ما قرر تيم أن يقول «دورية اهربوا» فتراكض الباعة وأخلوا المكان، وكانت الجملة من ارتجال تيم وكل المشهد كان مرتجلاً وحقيقياً”.

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *